"قضية اشتباه"
رمى غطاء الظهر وجلس على سريره، تحسّست قدماه نعليه على البلاط البارد،
الهاتف يرن بإصرار على بعد مسافة قصيرة.
أشعل النور ورفع سماعة الهاتف.
"معك الطبيب بنسون." قال الطبيب.
كانت رياح نوفمبر تجلب أصوات الشتاء بينما كانت تعصف حول المنزل الأبيض
الصغير. دخل الطبيب في ملابسه. ذهب إلى الطاولة وحدّق في ساعته، روحه تشكو من
المهمة التي كانت تنتظره.
الثانية تماماً. شكا عقله أيضاً التوقيت الفظيع وتساءل لماذا كان على
الأطفال أن يولدوا في أوقات غير مناسبة كهذه. التقط حقيبتين صغيرتين: حقيبة الدواء
القصيرة، كما كان يعرفها أهل البلدة، وحقيبة التوليد الطويلة، كانوا يطلقون عليها
حقيبة الطفل.
توقف الطبيب (بنسون) هنيهة ليشعل سيجارة، ثم وضع علبة السجائر في جيب معطفه.
كانت الرياح كسكين جرّاح في وجهه عندما فتح الباب وانطلق، منحنياً لأسفل، حول
الممر إلى المرآب.
اشتغلت سيارته بصعوبة، وأسعلت ست مرات بينما قاد أسفل الممر ولكن بعدها
بدأت تعمل بسلاسة عندما انخفض من شارع العشب وتوجه إلى الطريق السريع المهجور.
كان لدى السيدة (أوت سورلي)، الذي كان الطبيب (بنسون) في طريقه لزيارتها، تقريبا اثني عشر طفلاً، ولكنه بدا للطبيب بأنها لم تنجب ولو لمرةٍ واحدة في طقس جيد ولا
في وضَح النهار.
وعلى الرغم من أن الطبيب (بنسون) هو طبيب الريف إلا أنه ما زال صغير السن
ولم يستطع إيجاد السرور الذي قد وجده والده "الطبيب بنسون الكبير" في
رؤية (أوت) الأب الذي كان دائما متأخراً في دفع فاتورة ولادة طفل أو اثنين من أبنائه.
كانت رحلة السيارة إلى مزرعة سورلي طويلة ورؤية رجل يمشي وحيداً طوال
الطريق الريفي، كما يُرى في الأمام مباشرةً بواسطة ضوء السيارة، شكّل ارتياحاً
مرحباً به بالنسبة للطبيب. أبطأ السيارة ونظر إلى الرجل ماشياً للأمام بصعوبة ضد
الريح، حاملاً طرداً صغيراً تحت ذراعه.
مقترباً، توقف الطبيب (بنسون) ودعا الرجل للركوب. صعد الرجل.
"هل أنت ذاهب بعيداً؟" سأل الطبيب.
"إنني ذاهب طوال الطريق إلى ديترويت،" قال الرجل، كان رجلاً
نحيفاً ذي عينين سوداوين صغيرتين ممتلئة بالدموع بسبب الرياح. "هل يمكنك
إعطائي سيجارة؟"
فكّ الطبيب (بنسون) أزرار معطفه، ثم تذكر أن السجائر في الجيب الخارجي
لمعطفه. أخرج العلبة وأعطاها للراكب الذي نظر حينها إلى جيوبه الخاصة من أجل
ولاعة. عندما أُشعلت السيجارة أمسك الرجل العلبة للحظة ثم سأل "هل تمانع، سيدي،
إذا أخذت سيجارة أخرى من أجل لاحقاً؟" حرّك الراكب العلبة ليخرج سيجارة أخرى
دون أن ينتظر جواب الطبيب. شعر الطبيب (بنسون) يداً تلمس جيبه.
"سأعيدها إلى جيبك،" قال الرجل الصغير. وضع الطبيب (بنسون)
يده أفل بسرعة ليأخذ السجائر وكان منزعجاً قليلاً لإيجادهم مسبقاً في جيبه.
بعد دقائق قليلة قال الطبيب (بنسون): "إذا أنت ذاهب إلى ديترويت؟"
"إنني ذاهب للبحث عن عمل في إحدى السيارات الزراعية ذاتية الحركة."
"هل أنت ميكانيكي؟" سأل الطبيب.
"تقريباً. لقد قمت بقيادة شاحنة منذ أن انتهت الحرب.
ولكنني خسرت مهنتي قبل حوالي شهر."
"هل كنت في الجيش أثناء الحرب؟"
"نعم، كنتُ في قسم الإسعاف. تماماً في المقدمة. قدت إسعافاً لمدة أربعة
سنوات."
"هل الأمر كذلك؟" قال الطبيب (بنسون). "أنا عن نفسي طبيباً.
الطبيب بنسون هو اسمي."
"اعتقدت أن هذه السيارة تفوح برائحة الأدوية،" ضحك الرجل. ثم
أضاف بشكل أكثر جدية، "اسمي إيفانز."
ركبا بصمت لدقائق قليلة وحرّك الراكب نفسه في مقعده ووضع كيسه على الأرض.
عندما انحنى الرجل ألقى الطبيب (بنسون) نظرته المتفحصة الأولى
على الوجه الهراني الصغير.
لاحظ الطبيب أيضاً الندبة الطويلة العميقة على خد الرجل ذات اللون الأحمر
الفاتح التي كما لو كانت حديثة النشأة. فكر بالسيدة (أوت سورلي) ومدّ يده للوصول
لساعته. تعمّقت أصابعه في جيبه قبل أن يدرك أن ساعته لم تكن هناك.
حرّك الطبيب (بنسون) يده ببطء وحرص شديدين تحت المقعد حتى تحسّس القراب
الذي كان دائماً يحمل فيه مسدسه الأوتوماتيكي.
سحب المسدس ببطء وأمسكه بجانبه في الظلام. أوقف الطبيب (بنسون) السيارة
بسرعة ودفع المسدس في جانب (إيفانز).
"ضع تلك الساعة في جيبي." قال بغضب.
قفز الراكب بخوف ورفع يديه بسرعة. "يا إلهي... سيدي،" وهمس.
"اعتقدتك..."
دفع الطبيب (بنسون) المسدس بعمق أكبر بجانب الرجل وكرّر ببرود، "ضع
تلك الساعة في جيبي قبل أن أُطلق هذا المسدس."
وضع (إيفانز) يديه في جيب سترته الخاصة ولاحقاً، بأيدي مرتعشة، حاول أن يضع
الساعة في جيب الطبيب. بيده الخالية دفع الطبيب (بنسون) الساعة أسفل جيبه. فتح
الباب وأجبر الرجل خارج السيارة.
"إنني في الخارج هنا الليلة، على الأرجح لأنقذ حياة امرأة، ولكنني
أخذت بعض الوقت لأحاول مساعدتك،" قال للرجل بغضب.
شغّل (بنسون) السيارة بسرعة وأغلقت الرياح الباب بضجيج مدوي. أعاد المسدس
إلى القراب الجلدي تحت المقعد وانطلق مسرعاً.
كانت القيادة أعلى الجبل إلى مزرعة سورلي أقل صعوبة مما تخوّف، فقد أرسل
(أوت سورلي) إحدى أبناءه الكبار أسفل الطريق مع قنديلاً لمساعدته عبر الجسر الخشبي
القديم الذي قاد إلى بيت المزرعة الصغير.
على ما يبدو أن الخبرات العديدة السابقة للسيدة (سورلي) بجلب أطفال إلى العالم ساعدتها بشكل كبير لأنها أنجبت هذا الطفل بصعوبة طفيفة ولم يكن هناك أي حاجة
من جانب الطبيب (بنسون) لاستخدام الأدوات في الحقيبة الطويلة.
لكن بعد أن انتهى كل شيء، أخرج الطبيب (بنسون) سيجارة وجلس ليدخّن.
"حاول رجل حملته في سيارتي في طريقي إلى هنا الليلة أن يسرقني،"
قال لـ (أوت)، شاعراً بالقليل من الفخر. "أخذ ساعتي. ولكن عندما دفعت مسدسي عيار 45 في جانبه قرّر أن يعيدها إليّ."
تبسّم (أوت) بانشراح لسماعه قصة مشوّقة قادمة من الطبيب (بنسون) الصغير.
"حسناً، إنني مسرور بأنه أعادها إليك،" قال (أوت) "لأنه لو
لم يفعل ذلك، لن يكون لدينا أدنى فكرة في أي وقت وُلد الطفل. في أي وقت كنت
ستقول حدث ذلك، أيها الطبيب؟"
أخذ الطبيب (بنسون) الساعة من جيبه.
"وُلد الطفل قبل حوالي ثلاثين دقيقة، والآن إنها..." مشى إلى
المصباح الذي على الطاولة.
حدّق بغرابة في الساعة بين يديه. كانت البلورة مشققة والغطاء مكسوراً. قلَبَ الساعة وأمسكها أقرب إلى المصباح. درَس النقش المتآكل.
"إلى
العسكري ت. إيفانز، قسم الإسعافات، الذي حافظت شجاعته الشخصية على حياتنا ليلة
الثالث من نوفمبر عام 1943، بالقرب من المقدمة الإيطالية. الممرضات نسبيت، وجونز،
ووينجايت."
Comments
Post a Comment